الظرفية العالمية من 2004 إلى 2008
منذ 2004 إلى متم النصف الأول من السنة الحالية (2008) عرفت الأسواق العالمية ارتفاعا مستمرا ومتزايدا لأثمان المواد الأولية وبعض المواد الفلاحية. مما أدى إلى ارتفاع احتياطيات الصرف (Les (réserves de change التي وصلت إلى مستويات أعلى بدول الجنوب المصدرة للمواد الطاقية والمنتوجات الفلاحية. غير أن دول الجنوب لم تستغل الظرفية المتميزة بهذا الاحتياطي الهام من الصرف. فبدل إعلان القطيعة مع المؤسسات المالية الدولية التابعة للدوائر الامبريالية وخلق مؤسسات مالية بديلة كما فعلت بعض الدول بأمريكا الجنوبية . أو على الأقل استعمال هذا الفائض من احتياطيات الصرف في استثمارات اجتماعية، على العكس من ذلك سارعت العديد من الدول، وعلى رأسها الصين والدول الخليجية، إلى وضع أموالها بالأبناك الأمريكية وشراء سندات الخزينة الأمريكية . واتجهت دول أخرى نحو السداد قبل الأجل (Remboursement par anticipation) لديونها الخارجية (مثال الجزائر). في حين اختارت بعض الدول (دول الخليج بالأساس) خلق ما يسمى ب"صناديق ذات سيادة" (Les fonds souverains) لشراء الشركات المفلسة بالدول المصنعة !ولجأت دول أخرى إل صرف أموالها في شراء الأسلحة (مثال الجزائر).
وتميزت نفس المرحلة أيضا بارتفاع متزايد للديون الداخلية التي بلغت ثلاث مرات الديون الخارجية في 2006. مما أدى إلى ثقل سداد الديون (خدمات الدين)، فباتت الدول النامية تسدد سنويا 800 مليار دولار في إطار خدمات الديون العمومية الخارجية والداخلية. كما ارتفعت ديون الشركات الخاصة والتي ستتحول لا محالة إلى ديون عمومية جراء الأزمة.
سياسيا نعيش استمرار النهج النيوليبرالي، وما يعنيه ذلك من فتح الأسواق أمام السلع والرساميل الأجنبية، حذف الحواجز الجمركية، الخوصصة وتحرير جميع مجالات الحياة الإنسانية، إلغاء مراقبة الصرف، وغير هاته وتلك من السياسات والتوصيات المملاة من قبل المؤسسات المالية والتجارية الدولية (صندوق النقد الدولي، البنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة) والتي لم تؤدي إلا إلى مزيد من التفقير والتهميش والتفاوتات الاجتماعية التي بلغت أقصى حدودها.
هذا، وظهرت الصين كقوة اقتصادية جديدة لكنها مرتبطة بالدوائر الامبريالية وبالاقتصاد المعولم. مقابل ظهور حكومات يسارية تقدمية بأمريكا الجنوبية (فنزويلا، بوليفيا والإكوادور) وبالتالي بعض البدائل كبنك الجنوب والبديل البوليفاري لأمريكا والتدقيق في الديون العمومية الخارجية والداخلية وتأميم الشركات في القطاعات الإستراتيجية (البترول، الغاز) ووضع دساتير جديدة في اتجاه القطيعة مع الخيارات الليبرالية، إلخ.
إضافة إلى بروز أزمات أخرى، وبخاصة الأزمة الغذائية منذ 2007 كنتيجة للسياسات النيوليبرالية التي دفعت الدول النامية إلى توجيه فلاحتها نحو التصدير، من جهة، وتزايد الطلب على المواد الأولية بسبب المضاربات واستعمال المواد الطاقية في المنتوجات الفلاحية المصنعة، من جهة أخرى مما أدى إلى ارتفاع الأسعار. و يعيش العالم أيضا على إيقاع إشكالية أخرى لا تقل أهمية وخطورة في إطار ما بات يعرف بأزمة التحولات المناخية.