مجدي صبحي
خبير اقتصادي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة
سعر النفط لا يحدده الأمريكان وحدهم.
تسيطر على الذهن العربي أحيانًا أفكار قد يكون لها ظل بسيط من الحقيقة، لكنها تعامَل معاملة الحقائق الكاملة؛ بحيث تصبح في النهاية هي كل الحقيقة ولا حقيقة سواها. ومن بين هذه الأفكار ما يعرض على أنه سيطرة شبه كاملة من قبل الولايات المتحدة على سوق النفط العالمية؛ بحيث تكون الولايات المتحدة هي المحدد الرئيسي لمجريات الأسعار في هذه السوق. من هذا القبيل ما قيل عن رفع أسعار النفط في حرب 1973، وكيف أنه كان بموافقة أمريكية حتى يتم إضعاف المنافسين الأوروبيين، وتناسى الجميع تقريبًا أن الولايات المتحدة مستهلك ومستورد كبير للنفط، رغم وجود حجم كبير من الإنتاج المحلي الأمريكي من النفط.
كما تناسوا أيضًا أن ارتفاع أسعار النفط هو الذي شجّع على أن تمضي بعض البلدان الأوروبية في استكشاف النفط داخلها، بعد أن جعلت أسعار النفط المرتفعة عملية الاستكشاف والإنتاج عملية مجدية اقتصاديًّا؛ وهو ما حوّل بلدانًا مثل النرويج لتصبح من بين أكبر البلدان المصدرة للنفط، كما ساعد على تحويل بريطانيا إلى منتج له من حقول بحر الشمال.
ورغم أننا لا ننفي أنه بالنظر لموازين القوة الشاملة فإن البلدان المنتجة للنفط هي الطرف الأضعف في مواجهة الدول المستهلكة له، ولا ننفي أيضًا أن هناك أحيانًا بعض التدخلات من قبل الولايات المتحدة على المستويات السياسية، وأحيانًا غير السياسية التي تساهم في تحديد أسعار النفط.. فإن هذا لا يمثل سوى جزء بسيط من المعادلة. ففي نهاية المطاف يمكن القول: إن الثقل الأكبر في عملية تحديد الأسعار يمكن أن نضعه في كفة العوامل الموضوعية لا العوامل الذاتية.
ونحاول أن نطرح في هذا المقال فكرة رئيسية تستند إلى التغيرات التي شهدتها سوق النفط خلال الفترة التي مضت منذ اكتشافه خاصة في بلدان العالم الثالث، ونخلص إلى أن سعر النفط حاليًا ومنذ عام 2000 يتحدد في ضوء ما يمكن أن نطلق عليه توازنًا في القوى داخل سوق النفط العالمية.